الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

الأبنية الصرفية في السور المدنية: دراسة لغوية دلالية

إن التزود بالقرآن، والارتشاف من رحيقه، والاقتطاف من ثماره، يمثل ظاهرة واضحة في كثير من مؤلفات علماء اللغة، لكونه أعلى الشواهد، وبغية دعم الأحكام النحوية وقواعد العربية، وتصويرها في واقع اللغة واضحة جلية.

يجيء هذا البحث في دراسة الأبنية الصرفية ودلالتها في السور المدنية، من حيث تجردها وزيادتها في الأفعال والأسماء، وتقصي معانيها عند علمائنا القدامى، ثم تطبيق ما ورد من هذه المعاني على السور المدنية مدعمةً بالشواهد القرآنية وبعض الشواهد الشعرية وتصنيفها في جداول كل حسب البناء الذي ورد فيه أو ترتيبها ترتيباً أبتثياً في جميع الموضوعات.

وتضم هذه الدراسة بابين: الأول دراسة الأفعال المجردة ومعانيها، وما طرأ عليها من تغير في معانيها نظراً لدخول أحرف الزيادة عليها، مما أدى إلى تغير في بنائها ودلالتها ودرست هذه الأفعال من حيث لزومها وتعديها، وما تعرضت له من تغيرات إثر تعدي اللازم بوساطة حروف الجر أو لزوم المتعدي، فتضمن كل منهما معنى الآخر، فأخذ حكمه وبعض الأفعال طرأ عليها تغيرات صوتية صرفية كالإعلال بأنواعه – الحذف و النقل و التسكين الذي حدث في الأفعال المجردة والمزيدة، أما الإبدال فقد حدث في بعض أبنية المزيد وهاتان الظاهرتان تقومان على طلب الخفة بغية تحقيق نوع من المجانسة.

أما الباب الثاني فقد شمل الأسماء بنوعيها: الجامد، والمشتق، وذلك من حيث تجردها وزيادتها وتحري معانيها في كتب القدماء، وتصنيفها إلى جوامد ومشتقات، ثم درست أبنية الجموع بأنواعها المختلفة.

ومن النتائج التي تم التوصل إليها غلبة الأسماء على الأفعال في السور المدنية، وذلك من حيث تعدد أبنيتها، وتعدد المواضع التي وردت فيها، وأن المزيد بحرف أكثر شيوعاً من المزيد بحرفين، والمزيد بحرفين أكثر وروداً من المزيد بثلاثة حروف حسب ما التغيير في المبنى، علماً أن هناك نتيجة عامة وهي: إخضاع السور المدنية للدراسة اللغوية، وما حملته الدراسة اللغوية من توجيهٍ للمعاني والدلالات لهذه السور.


m

الحمد لله عظيم الشأن، ذي المنة والإحسان، والصلاة والسلام على أشرف الناطقين باللسان العربي المبين، خاتم الأنبياء والمرسلين محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

يضم هذا البحث دراسة شرعت فيها منذ أكثر من ثلاث سنوات، آثرت أن يكون ميدانه النص القرآني الكريم، محاولة تتبع القضايا الصرفية قدر الإمكان معتمدة على استقراء مواضع كل بنية في السور المدنية، وتوزيع الألفاظ في مختلف الأبنية في جداول تحوي الألفاظ حسب زنتها وترتيبها الأبتثي.

ومن الدواعي التي دفعتني إلى اختيار هذه الدراسة؛ أن علم التصريف العربي لم ينل عناية الدارسين، ما ناله صنوه وقرينه علم النحو من عناية الدارسين ، إضافة إلى إحساس دارسيه من صعوبة في مسائله وقضاياه، ومن تلك الدواعي أن دراسة الصرف ودلالاته تعد أساساً في فهم العلوم اللغوية المختلفة.

أما سبب اختياري القرآن الكريم مجالاً لهذه الدراسة؛ لأنه من أعلى الشواهد في استنباط قواعد اللغة ومعاييرها، ولعلو فصاحته وبلاغته، وغنى أساليبه، وقلة الشواذ والغريب فيه وتوفر عدد كبير من الأبنية الصرفية التي تغطي غالبية الاستعمالات مما يجعل دراسة الصرف ذات فائدة كبيرة للدارس والباحث والقارئ.

ولم أتناول بالدرس أبنية المبني للمجهول؛ لأنه هنالك دراسات كثيرة في هذا المجال ومجال هذه الدراسة لا يتسع لها، ولم يدرس الحرف، ولا أسماء الأفعال والأعداد؛ لأنها ألفاظ ثابتة لا تقبل التصرف.

وقد اتبع في هذه الدراسة المنهج الوصفي الإحصائي، فالتحليل، فالمقارنة، معتمدة في هذا المنهج على القراءة المتأنية المتأملة لبنية المفردة القرآنية مستنيرة بآراء اللغويين والمفسرين القدامى والمحدثين، متتبعة لما كتبه كثير منهم.

اعتمدت هذه الدراسة على عدد من المصادر القديمة في الميادين المتصلة بهذه الدراسة، فمن المصادر العربية القديمة التي تمثل معيناً لا ينضب لكل باحث كتب النحو خاصة كالكتاب لسيبويه، والخصائص لابن جني، وكتب علوم اللغة والمعجمات، وعلوم القرآن، وكتب تفسيره خصوصاً الكشاف للزمخشري، وأنوار التنزيل للبيضاوي.

وتقع هذه الدراسة في مقدمة وبابين وخاتمة:

يشمل الباب الأول الموسوم بـ" أبنية الأفعال ودلالتها في السور المدنية" ثلاثة فصول هي:

الفصل الأول: "التجرد والزيادة" ويدور حول أبنية الأفعال المجردة والمزيدة ودلالاتها في السور المدنية، واشتمل على موضوعين: خصص الأول منهما لدراسة دلالات الأفعال المجردة في مختلف الأبنية، أما الثاني: فخصص لدراسة أبنية الأفعال الثلاثية المزيدة بحرف واحد، وحرفين، وثلاثة أحرف، وذلك من خلال استقصاء معاني هذه الأبنية عند القدماء، ثم عرض لهذه المعاني في السور المدنية، مبيناً مدى الاتفاق أو الاختلاف بين ما قاله القدماء في هذه المعاني.

الفصل الثاني"اللزوم والتعدي" اشتمل على ثلاثة مواضيع: خصص الأول منها لدراسة أبنية الأفعال اللازمة في الأبنية الثلاثية المجردة، وخصص الثاني لدراسة الأفعال المتعدية في الأبنية المزيدة، وخصص الثالث لدراسة الأفعال اللازمة المتعدية في مختلف الأبنية المجردة والمزيدة، ويتناول ما تضمنته الأفعال من معانٍ جديدة غير التي وضعت لها، كتضمن اللازم معنى المتعدي، وتضمن المتعدي معنى اللازم من خلال استقصاء المعاني الجديدة من خلال كتب النحاة والمفسرين.

الفصل الثالث:"الإعلال والإبدال" اشتمل على موضوعين: أما الأول فخصص لدراسة الإعلال في مختلف الأبنية المجردة والمزيدة، وما طرأ على هذه الأبنية من تغيرات كالإعلال بالقلب، أو بالنقل، أو بالحذف، أما الثاني: فخصص لدراسة الإبدال في السور المدنية واقتصر على أبنية ثلاثية مزيدة؛ لعدم حدوثه في غيرها.

الباب الثاني الموسوم بـ" أبنية الأسماء في السور المدنية": ويشتمل على أربعة فصول:

الفصل الأول:"أبنية الأسماء في السور المدنية" ويدور حول أبنية الأسماء الثلاثية الأصول والرباعية، والأسماء المزيدة بحرف، وحرفين، وثلاثة أحرف، متتبعة معاني هذه الصيغ من حيث الجمود والاشتقاق.

الفصل الثاني "أبنية المصادر في السور المدنية" واشتمل على موضوعين: الأول منهما خصص لدراسة أبنية المصادر الثلاثية والرباعية المجردة، والثاني خصص لدراسة أبنية المصادر المزيدة، وتم فيه عرض لأنواع المصادر الصريحة، ومصدري الهيئة والمرة، والمصدر الميمي، واسم المصدر.

الفصل الثالث: "المشتقات في السور المدنية" يشتمل هذا الفصل على دراسة أبنية المشتقات المجردة والمزيدة الواردة في السور المدنية، كاسم الفاعل، والصفة المشبهة واسم المفعول، ةوصيغ المبالغة، واسمي الزمان والمكان، واسم الآلة واسم التفضيل، والأسماء الملحقة بالمشتقات كالنسب والتصغير.

الفصل الرابع:"أبنية الجموع في السور المدنية" يشتمل هذا الفصل على أبنية الجموع في السور المدنية في مختلف الأبنية المجردة والمزيدة، وعرض لأنواع الجموع كجمع المذكر السالم، وما جمع بالأف والتاء، وجموع التكسير، واشتمل أيضا على اسم الجمع وأبنية اسم الجنس الجمعي، واسم الجنس الإفرادي.

أما الخاتمة، فقد اشتملت على النتائج التي توصلت إليها الدراسة من خلال استقراء معاني صيغ الأفعال والأسماء، فقد انتهى بي هذا الاستقراء إلى أن صيغ الأسماء أكثر من صيغ الأفعال، وأن هذه الكثرة أدت إلى التضخم الذي بدا في هذا البحث، لكن لم استطع أن أعفي نفسي منها طمعاً في أن يكون الاستقراء تاماً.

وحسبي أني بذلت الوسع وعملت الجهد، فما كان من نقص فمن تقصيري وما كان من إصابة الهدف فمن توفيق الله، فهو حسبي ونعم الوكيل.

النص الكامل

هناك تعليق واحد: